الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية بعد الجدل الذي رافق حضور الغنوشي في زفاف ابنه: محمد الكيلاني ينشر هذا الرد

نشر في  05 سبتمبر 2018  (14:39)

حضور الغنوشي في عرس بيرم أصبحت قضية وطنية؟؟

بقلم محمد الكيلاني- والد الفنان بنديرمان

المشكل في العقلية الفايسبوكية
ليست المرة الأولى التي تشتعل فيها "الشبكة" على مصافحة أو صورة في مقهى أو مطعم أخذت خلسة، أو أخرى رسمية أخذت في ندوة أو حفل توقيع... مع ذوات أو رمزيات متعارضة أو متقاربة، توضع للتدليل أو التأكيد أو الإشارة أو الاثارة، وتعتمد برهانا لتأكيد السياق الذي يراد لها.

باختصار فإن الفايسبوك لم يترك لنا برهة واحدة للتفكير بل كيفنا بصورة منهجية بأن يصبح تفكيرنا مصاغ بشكل ومضمون حيني. كما غزت عالم السياسة ولم تنجو منها الأحزاب، إذ أصبحت حياتها الداخلية على قارعة الفايسبوك، حيث لم يعد هناك من معنى للانتماء سوى بطاقة الانخراط، وفيما عدى ذلك كل شيء "مفروت" بما في ذلك أخطر قرار يمكن لمناضل أن يتخذ وهو الاستقالة من المسؤولية أو من الحزب.

نحن نعيش في مرحلة ذات خصوصية. وقليلا ما كنت أتفاعل على المباشر إلا فيما خف حمله، إذ التزمت دائما بالتوضيح والتدليل والبرهنة، ولا يقلقني أن من يتابع ما أكتب هم قلَة لأني أخاطب ورهاني على "الدوام اللي ينقب الرخام". 
بعد هذا التقديم الطويل أمر إلى صلب الموضوع، ألا وهو زفاف ابني بيرم.
هل ينفي الاختلاف السياسي العلاقات الاجتماعية؟ 
الزفاف مسألة خاصة جدا متفاعلة مع المحيط الاجتماعي في القوانين المنظمة له ومع الدين والتقليد والأعراف والعلاقات العائلية والشغلية وغيرها وتسعى العلاقة بين الزوجين المحتفى بهما أن تطفو على تناقضات هذا الواقع لتؤسس لذاتية اجتماعية معترف بها. وهو شأن لا علاقة له بالسياسة، رغم أن أحد طرفي هذا العقد شخصية عامة، التي بإمكانها أن تجتذب إليها شخوص عامين.

وهنا يحدث اللبس وكأن خيوط تماس خفية بصدد الحدوث بين هؤلاء، والحال أن شيئا من ذلك لا وجود له. جميع هؤلاء أتوا لبيرم، لأنه بيرم أحب من أحب وكره من كره، تعرفونه جيدا لا يبطن كلامه وأحكامه. وتهنئة الغنوشي له لن تغير من بيرم شيئا، فله قناعاته ورؤيته لمجتمعه وتصوره لمستقبله.

وهي قناعات ثابتة لن يزحزحها عناق وقبضة يد. وإذا لم يكن الأمر كذلك، ترى مع من سنراه غدا، مع حمة أم مع محسن مرزوق أم مع الغنوشي أم مع السبسي أم منذر الزنايدي؟ مع من؟ هو عازف على أوتار العقل، أي يمكن لنا أن نتقابل ونتزاور ويفرح ويتألم بعضنا لبعض في الشأن الخاص دون أن يؤثر ذلك على مواقفنا من النمط المجتمعي وشكل الدولة ومن المشروع الاقتصادي والاجتماعي ومن الموقف من علاقة الدين بالدولة وبالسياسة ومن كيفية تناول المسألة الدينية.

ولا أظن أن بيرم في هذا الصدد "غشيم"وبإمكان أن لقاء خاص أو عام يمكن أن يبهره وينسيه الأساسي. فماذا تقولون عن زيارة عبد اللطف المكي والعجمي الوريمي لي في منزلي لما كنت في طور خطير من مرضي؟ وماذا تقولون عن عبد اللطيف المكي الذي مكنني من أن يتابع وضعي أحسن أساتذة الطب، أستاذ جامعي، في الطب الباطني؟ فهل غيَر ذلك من موقفي من حركة النهضة؟ كلا.

أما عن لطفي زيتون الذي كنت ألقبه بمدفعية حركة النهضة خلال سنوات 2011 و2012 و2013، وقد "اشتبكت" معه في النقاشات في الملفات، ثم تدرج إلى التخلي عن تلك الحدية وعبَر في مناسبات عديدة على مواقف تذكر وأصبحنا كلما تقابلنا عاملنا بعضنا باحترام؟ فهل جعلني ذلك أن أغير موقفي من حركة النهضة؟ كلا.

المراهنون على السلطة مباشرة لهم أغراض اتصالية من علاقاتهم الاجتماعية

أنا لا أنكر أن الساسة المراهنين على السلطة يحبون كل خطوة ولا ألومهم على ذلك لآن المسألة تصبح لها علاقة بالصورة التي يريدون ترسيخها لدى الرأي العام وفي المجتمع، هذه الصورة التي تخترق الأيديولوجيا لتصبح سلوكا وأداء ومظهرا ووعودا وشعارات يتبعها الحالمون، تأخذهم يمنة ويسرة ووسطا، ويسعى الساسة الواقفين على أعتاب السلطة كسب هذه الجمهرة أو الجزء الأكبر منها لتحقيق فوز انتخابي. 
وما أريد قوله أن عدم اتفاقي معهم على ذلك أيضا لا يحول علاقتي بهم إلى توع من القطيعة والعداء. الهام والمهم بالنسبة وبالنسبة لبيرم هو أن يكون الحفل ناجحا رغم الظروف الأليمة التي رافقته ولازالت.

الذنب ليس ذنب بيرم إن كان جزءا من عالمه الاجتماعي هو عالم المجتمع السياسي، وكان هذا المجتمع حاضرا في حفل زفافه. الذنب ليس ذنبه إن كان عالم شغله يجمعه بالضرورة مع رجال السياسة من اليمين واليسار والوسط، في السلطة والمعارضة. لذلك يكون الزفاف أو الموت يحمل كل هذا المزيج.

السياسة ليست دائما "الصبع على الزناد"

أود التأكيد على أن نغادر عالم السياسة المملوء بالأحقاد والتحارب. صحيح أنه مجال الصراع الطبقي المكثف، الذي يأخذ شكل صراع أيديولوجي وثقافي واقتصادي اجتماعي وسياسي، ولا يصل إلى الحراب إلا ساعة بلوغه أعلى درجات التوتر المولدة للثورة وللمشروع المجتمعي البديل. لذلك ففي مراحل الهدوء والأشكال الهادئة يتزاور الناس ويتبادلون التهاني والتعازي ولا حرج في ذلك إلا فيما ندر، لما تنشأ أحقاد سياسية أو اجتماعية يعسر تجاوزها.

وفي هذه الحالة لا ينبغي على الواحد أن يفرض على غيره موقعه الخاص. ومن لا يعرف أن السياسة هي مواصلة للحرب بصيغ أخرى لا يقدر على فهم كيف يمكن لأعداء تقاتلوا وتحاربوا وخلفوا ضحايا، بما يعني، أن بينهم دم وإذا يجلسون على طاولة المفاوضات ويعقدون اتفاقات وبإمكانهم أن يعقدوا أحلافا وقد يبنون مشروع دولة ومجتمع جديد. وأشير فقط في هذا المجال إلى نيلسن مانديلا الذي وضع اليد في اليد مع عنصري الأمس لبناء إفريقيا الجنوبية الجديدة. وكثيرا ما أسمع قارئ لرسالته إلى "التوانسة" بعد "ثورتهم" بإعجاب بالغ، غير أنه ما أن يمر لنقاش مسألة من مسائل الوضع في تونس حتى ينسى كل شيء ويعود إلى حنقه وأحكامه القطعية القاطعة.

جراح مؤلمة حركها كلام هجين 
ملاحظة أخيرة، بيرم وأحرار، ولست ممن يعتقد أنه "باش يشدني" أو "باش نشد ولدي"، أحرار يجمعنا العقل وحب الوطن والإيمان بقضايا الشعب الكادح وبالحداثة والتقدم والديمقراطية والمساواة والعدل الاجتماعي، كلانا يتبنى هذه الحزمة من الأهداف والقيم ويعمل على تحقيقها بطريقته الخاصة. وكلانا يحترم الآخر ويحبه كما هو ولا يريد أن يصنعه على صورته. 
وآخر الكلام أتوجه بلوم وعتاب لمن تعرض له ولي بالمساس من تضحياتنا القديمة والحاضرة، حيث لم نتمس على أعتاب أي سلطة، لا بورقيبة ولا بن علي ولا المبزع ولا المرزوقي ولا السبسي، ودون أدنى شك أن وزارة الداخلية مازالت تحمل بين ظهرانيها، رغم عمليات الغربلة والإبادة (بحرق الوثائق وتحويلها على ذمة بعض الأشخاص) التي حصلت في عهد الترويكا، العديد من التقارير لأشخاص ومجموعات تدعي النقاوة الثورية أو تتعلق بها تؤكد علاقاتها لا أقول بنظام بت على بل ببوليسه.

والغريب في أمر أحد السادة أن قال ما الفرق بيني وبين الغنوشي فقد شربنا من دم الشعب. أشير لك أنني لم أتلق في حياتي مليما من الدولة أو من أي جهاز من أجهزتها منذ أن تمَ تطردي من الشركة الوطنية للسكك الحديدية عام 1984 بعد ترسيمي لعدم استظهاري ببطاقة عدد 3 التي يتم طلبها من أي من الرفاق الذين خرجنا من السجن في 28 جويلية 1980، وقمت بقضية عرفية أقرت بأن الطرد تعسفي وع ذلك رفضت الشركة إعادتي إلى شغلي. وتمكنت من العمل "بيجيست" مع جريدة الشعب الأسبوعية بـ20 د على كل مقال وتمَ إنهاء تعاوني معها على إثر مقال حول انتفاضة في أندونسيا أطاحت بالنظام القائم هناك، غيرت النخب عنواته في أحاديثهم إذ أصبح "إين تونيزيا"، In tunisiaوكان سندي الوحيد وسند ذريتي في هذه المحن زوجتي الفاضلة وكان بيرم سندي في مرضي، ورغم أن رئيس الدولة حاول إقتاعي عن طريق صديق مشترك بتكفل الدولة بمعالجتي رفضت وطالبت فقط بالتعجيل في إجراءات تمكيني من جراية التقاعد بصفة مطرود تعسفيا من العمل ولي حكم قضائي في ذلك رفضت تنفيذه، وليس تعويض على من الدولة على سجني وملاحقتي وتعذيبي. ولذا يا بتيَ كفَ عن الهذيان، وكان عليك أن تدقق أمرك. أما بالنسبة لراشد الغنوشي فما عليك إلا أن تتوجه بمفرده وحركته إن شئت وتسائله على أفعال وتجادله. 
معذرة إن كنت ختمت بهذا القول المرَ.
مع الشكر على سعة صدوركم وصبركم.
محمد الكيلاني
تونس في 4 سبتمبر 2018